إجراءات
اجتماعية وثقافية لمحو الشخصية الوطنية:
أ ـ محاربة العقيدة : لقد آزرت الكنيسة المسيحية عمليات
الاحتلال بواسطة الجمعيات التبشيرية والقساوسة الذين بثتهم في أرجاء الوطن
للتغلغل وسط الجماهير متسترين وراء بعض الأعمال الإنسانية ، مثل معالجة المرضى ومساعدة الفقراء ورعاية اليتامى ...
الخ . ولكن تلك الأعمال ، التي ظاهرها خير ، كانت تضمر شرا لأنها تهدف في نهاية
الأمر إلى تنصير الجزائريين تمهيدا لدمجهم في المجتمع المسيحي .
نشطت عمليات التبشير
في الجزائر على يد الكاردينال لافيجري الذي رسم لنفسه ثلاثة أهداف كبري :
* أن تساهم الكنيسة في إنجاح السياسة الاستعمارية
بواسطة نشر المسيحية في الجزائر.
* أن يكون الجزائريون ، الذين يتم تنصيرهم ،
نواة لطبقة موالية للاستعمار .
* أن تكون الجزائر ، بعد تنصيرها ، نقطة
انطلاق لحركة التبشيرفي أفريقيا كلها .
لتحقيق هذه الأهداف ،
ركز لافيجري اهتمامه على الأطفال الأبرياء ، وخاصة منهم اليتامى والمشردين ، الذين
كان يجمعهم في مخيمات خاصة بهم ، ويتعدهم بالعناية والرعاية وينشئهم
على تعاليم الدين المسيحي .
ب - محاربة الثقافة الوطنية : إن المبدأ المعلن عنه من طرف المستعمر هو تحطيم الشعب الجزائري معنويا بالقضاء على
ثقافته فقد صرح الجنرال دوكرو قائلاً : " يجب أن نضع العراقيل أمام المدارس الإسلامية والزوايا كلما استطعنا إلى ذلك سبيلاً ... " وقد تمثلت أولى الإجراءات ، في هذا الميدان ، في تحويل المساجد إلى كنائس ، أو مستشفيات أو متاحف
، ومن الواضح
أن القضاء على
المساجد لا يعني حرمان الجزائريين من أماكن العبادة فحسب ، بل يعني أيضا حرمانهم من مراكز التعليم .
فمثلاً ، كان في مدينة قسنطينة وحدها ، في بداية الاحتلال ، خمسة وثلاثون مسجدا
تستعمل كمراكز للتعليم ، كما كان هناك سبع مدارس ثانوية يحضرها ما بين ستمائة
وتسعمائة طالب ، وكان هناك تسعون مدرسة ابتدائية يحضرها ألف وثلاثمائة وخمسون تلميذا لم تمض عشرون سنة على الاحتلال حتى تناقص
عدد المدارس الابتدائية إلى ثلاثين ، وانخفض عدد الطلاب إلى ثلاثمائة
وخمسين ، كما انخفض عدد طلاب التعليم العالي إلى ستين طالبا . نتج عن
اختفاء المؤسسات التعليمية اضطهاد اللغة الوطنية ، فقد اعتبرها الاستعمار
لغة أجنبية ميتة ، غير أنه احتفظ بتعليمها فئة قليلة من الجزائريين قصد
تكوينهم كإداريين ومترجمين في المكاتب العربية .
جـ ـ محاربة الشخصية الوطنية : بالإضافة إلى مبدأ إخضاع الجزائريين ، فإن مبدأ آخر تردد على لسان جنرالات
الاحتلال هو
القضاء على الجنسية
الجزائرية ، اعتقادا منهم بأن احتفاظ الجزائري بجنسيته سيكون عقبة أمام نجاح السياسة
الاستعمارية . لذلك تعالت الأصوات مطالبة بتجريد الجزائريين من صفة المواطنة
وتحويلهم إلى مجرد رعايا.
لتحقيق هذه الغاية ،
أصدرت السلطات الاستعارية سلسلة من القوانين الجائرة ، نذكر منها نموذجين :
قانون الجنسية: الذي صدر سنة 1865 م ، وكان يهدف إلى إدماج الجزائريين
في المجتمع الفرنسي . ومنذ ذلك الحين انقسم الجزائريون إلى نوعين :
ـ جزائريين تخلوا عن
شخصيتهم الوطنية وطلبوا الجنسية الفرنسية فأصبحوا مواطنين فرنسيين .
ـ جزائريين فضلوا
التمسك بشخصيتهم الوطنية ورفضوا الجنسية الفرنسية ، وكان هؤلاء أغلبية ساحقة ،
اعتبرهم القانون الفرنسي مجرد " أهال "
قانون الأهالي: الصادر سنة 1871، لتكريس التفرقة بين ـ الجزائريين ، وكان عبارة عن إجراءات تعسفية
سلطت على الأهالى ، خول هذا القانون للإدارة الاستعمارية صلاحيات
استثنائية قائمة على الظلم والقهر والإرهاب مثل :
-
القضاء على المؤسسات التقليدية ، كنظام
الجماعة الذي كان يسير شؤون المواطنين بمقتضى العرف والتقاليد والقوانين الإسلامية
، و لقد أجبر الأهالي على التخلي عن مؤسساتهم والتقاضي لدى المحاكم الفرنسية وفق
القوانين الفرنسية.
- منع الجزائريين من التجول في وطنهم بدون رخصة.
- حصر الجزائريين في مناطق محددة لتسهيل مراقبتهم.
- فرض ضرائب متنوعة زيادة على ما كانوا يدفعونه من زكاة وعشور .
-
فرض العقوبات الجماعية على المخالفات
الفردية.
تلك هي الخطوط العريضة للمشروع الاستعماري ، الذي
نفذ في الجزائر منذ احتلالها في عام 1830 م ، والذي نتج عنه ما يلي :
- تسلط المستوطنين على خيرات البلاد .
- مقاومة مستميتة من طرف الشعب الجزائري لإفشال المشروع الاستعماري .