الجزائر
من 1500 إلى 1830
العلاقات الخارجية:
إن موقع الجزائر في
الطرف الغربي للعالم الإسلامي ، والمواجه للعالم الأوروبي جعلها تتحمل مسؤولية كبيرة في
الدفاع عن المسلمين ، وفي فرض هيبتهم ورفع مكانتهم الدولية ، وكانت البحرية الجزائرية في العصر الحديث وسيلة رئيسية في العلاقات الخارجية ، فهي
في وقت السلم أداة رادعة ، وفي وقت الحرب أداة دفاعية.
وقد عقدت الجزائر مع
أوروبا صفقات تجارية وأبرمت علاقات دبلوماسية كانت مربحة أحيانا ومضرة أحيانا أخرى.
1 ـ الأسطول الجزائري أداة السياسة
الخارجية:
·
كانت قوة الدول في العصر الحديث تقاس بمدى
تطور الأساطيل البحرية وتفوقها ، وخاصة في غمرة اندفاع أوروبا لاكتشاف
المناطق البعيدة عنها ، واستغلال ثرواتها ، وفرض هيمنتها عليها ثم
استعارها.
·
وكانت الجزائر بطبيعتها دولة بحرية نظرا
لوفرة الموانئي على طول سواحلها ، ووفرة الأخشاب كادة أولية لبناء السفن ، بدأ نشاط
البحرية الجزائرية منذ عهد البايلربايات ، وتطور بسرعة على يد طائفة
رياس البحر وخاصة عندما تولى هؤلاء السلطة في عهد الدايات.
·
في هذا الإطار اكتسبت البحرية الجزائرية مكانة دولية متميزة بفضل تنظيمها وقوة تواجدها في البحار ، وبفضل مهارة
بحارتها وشجاعتهم.
·
ضم الأسطول قطعا متنوعة الأغراض ( تجارية
وعسكرية ) ، تم بناء بعضها في الورشات الجزائرية ، وتم إمتلاك بعضها
الآخر كغنائم إثر المعارك .
كانت السفن المسماة
بالغليوطات والفرقاطات والأبرقيات .. الخ تسير بقوة المجاذيف حتى القرن 16 م ، ثم تطورت
لتصبح سفنا شراعية ذات صاريتين أو ثلاث وخاصة خلال القرن 17 م (1) حيث
تدرب الجزائريون على يد الأوروبيين لاستعمال السفن الحديثة ، مثل
المسماة بالبرتون والسفن المستديرة المقدمة ... وهي سفن قادرة على الملاحة
في أعالي البحار ، وتمكنوا بفضلها من اجتياز مضيق جبل طارق إلى المحيط
الأطلسي ، ووصلوا بها إلى شواطئي إنجلترا واسكتلندا وإسلندا.
في القرن 18 م أصبحت
السفن أكثر تسليحا ، وبلغ عدد مدافعها حوالى 60 مدفعا ، واشتهر من قبطاناتها عدد كبير من
الأبطال أمثال : عروج ، وخير الدين ، ومراد رايس ، وعلج علي ، .. الخ ، وكان
الرايس حميدو آخر الضباط للبحرية الجزائرية.
2 ـ الجهاد البحري أساس العلاقات
الخارجية:
·
تميزت العلاقات الدولية في العصر الحديث
بالمواجهة المستمرة بين العالم الإسلامي والعالم الأوروبي . وقد تأثرت سياسة الجزائر
الخارجية بهذا الوضع ، فكانت علاقاتها مع العالم الإسلامي علاقة حماية للمسلمين المطرودين
من الأندلس ، وعلاقة مساندة للعثمانيين الذين تعرضوا لتحالف الدول الأوربية ضدهم ،
وقد قامت هذه السياسة الخارجية على مبدأ الجهاد البحري .
في هذا الصدد تمكن
البحارة الجزائريون ، في الفترة ما بين 1528 - 1584 ، من شن غارات ناجحة على السواحل
الإسبانية لإنقاذ الأندلسيين المهددين بالتنصير ، أو الموت ، فمثلا تمكن إيدين
رايس ، وصالح رايس من نقل 680 مسلم من نواحي بلنسية ، كما قام حسن فنزيانو ، ومراد
رايس بنقل حوالي 2000 مسلم من ناحية أليكانت . وتعرضت ، في نفس الفترة ، سواحل لورقة وضواحي قرطاجة ، إلى هجومات
مباغته من طرف الرياس مكنتهم من الحصول على غنائم معتبرة .
·
وتمكن الأسطول الجزائري من تقديم المساعدة
للأسطول العثماني الذي تحالفت ضده الأساطيل الأوروبية ، ومن أشهر المعارك التي وقف
فيها الجزائريون جنبا إلى جنب مع العثمانيين :
-
محركة ليبانت 1571 في اليونان
-
الحرب الروسية العثمانية 1787
-
حروب الدولة العثمانية لإخراج نابليون من
مصر 1798
-
معركة نافارين بين العثمانيين والحلف
الثلاثي : الروسي ، الفرنسي ، الإنجليزي 1827.
·
اكتسبت الجزائر بهذه الأعمال البطولية سمعة
دولية كبيرة ، وأصبحت مرهوبة الجانب ، وتحكمت في حركة الملاحة الدولية في البحر
الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي ، وهذا ما دفع معظم الدول الأوروبية إلى إقامة علاقات
دبلوماسية مع الجزائر .
3 ـ تأرجحت العلاقات الجزائرية
الأوروبية بين السلم والحرب :
فني أوقات السلم
أبرمت الجزائر مع الدول الأوروبية معاهدات سلم وصداقة ، نصت على حرية الملاحة ،
وعدم التعرض للسفن التي تحمل أعلام الدول الصديقة ، ونصت على التبادل التجاري بينها
. وللحفاظ على مودة الجزائر كانت الدول البحرية ( الولايات المتحده الامريكية
، إنجلترا ، فرنسا ، هولندا ، نابولي ، سردينيا .... الخ ) تدفع هدايا
سنوية للدايات وإتاوات للخزينة الجزائرية ، وكان القناصل الأوروبيون
حريصين على إبقاء حالة السلم هذه بتدخلهم لفض النزاعات ، وبالتفاوض
لتجديد الاتفاقيات مع دولهم.
غير أنه كان للعلاقات الجزائرية الأوروبية وجه
آخر ، هو النزاعات المسلحة فقد توالت على السواحل الجزائرية هجومات أوروبية ،
تكررت طيلة الفترة ما بين القرن 16 و 18 م . وكان الباعث على تلك الغارات هو
القضاء على نشاط البحرية الجزائرية في البحر المتوسط.
صمدت البحرية
الجزائرية أمام الأحلاف الأوروبية ، فقد أفشيلت أغلب الهجومات مثل : حملة
الإمبراطور الاسباني شارلكان سنة 1541 الذي أعد ، لاحتلال الجزائر ، جيشا كبيرا ضم
مختلف القوات الأوروبية ، ودعم من طرف البابا نفسه . فقد قاد الإمبراطور بنفسه
الأسطول المكون من أكثر
من 500 سفينة ،
واصطحب معه أشهر ضباط إسبانيا أمثال ، اندري دوريا ، وكورتيس ، والكونت دالكوديت
4- القرن
19 : اختلال التوازن بين الجزائر وأوروبا :
عند مطلع القرن 19 م
بدأت الأوضاع في البحر المتوسط تميل إلى اختلال التوازن بين الجزائر وأوروبا ذلك أن
مكانة الجزائر الدولية ، التي استمدت قوتها أساسا من قوة الأسطول ، بدأت تتراجع
أمام تأثير عاملين حاسمين هما :
·
على المستوى الداخلي : أدى الاعتماد المفرط
على غنائم الجهاد البحري ، كمورد رئيسي للخزينة ، إلى ركود الإنتاج المحلي وعدم
تطور الصناعة والفلاحة ، الأمر الذي كان ينذر بأن القوة العسكرية لن تلبث أن تتأثر
بدورها فتصاب .
·
على المستوى الخارجي : وصلت نتائج الثورة
الصناعية الأوروبية بدول أوروبا إلى أوج قوتها ، وانطلقت في سياسة استعارية شرهة .
ولكن مها كانت المصالح الخاصة بالدول الأوروبية تستوجب المنافسة بينها ، إلا أنها كانت
جميعها متفقة على ضرورة التحالف من أجل مصلحتها العامة ، في هذا الإطار شهدت بداية
القرن 19 م انعقاد مؤتمرين أوروبيين هامين هما :