ذكريات معلم- الجزء الرابع -
عندما تكون وحيدا فعقلك يفتح باب التفكير على مصراعيه, فُتحت جميع أبواب عقلي بل كُسرت بعنفوان شديد بعد أن عاد الأطفال الذين ساعدوني في توضيب المكان إلى منازلهم ..
- ارتح أيها العقل البائس ! دعنا ننعم بالراحة و نستمتع بالهدوء , لا تشغلني بالذي مضى و لا بالذي سيأتي, لا تتكهن بما يفعله أصدقائي الذين لم يوفقوا في مباراة التعليم في الجامعة, لا تتنبأ بما كنت سأكونه لو واصلت مشواري بعيدا عن جبال صاغرو, أنا هنا في الأعالي, دعني و من تركت هناك في الأراضي المنبسطة .. دعني أيها العقل البائس .. دعني !
- ارتح أيها العقل البائس ! دعنا ننعم بالراحة و نستمتع بالهدوء , لا تشغلني بالذي مضى و لا بالذي سيأتي, لا تتكهن بما يفعله أصدقائي الذين لم يوفقوا في مباراة التعليم في الجامعة, لا تتنبأ بما كنت سأكونه لو واصلت مشواري بعيدا عن جبال صاغرو, أنا هنا في الأعالي, دعني و من تركت هناك في الأراضي المنبسطة .. دعني أيها العقل البائس .. دعني !
- هل تذكر صديقك المقرب "نسيم" كنتما تجلسان معا في نفس الطاولة أيام الثانوي, و تتسكعان معا و تأكلان معا الخبز و الطن بدرهمين عند "العياشي", ظلاكما لا يفترقان .. لكنك كنت أفضل منه, ألم تكن الأول في صفك ؟ هل تذكر ؟ الان بينما أنت تشرب شايا على طاولة في بيت من الطاولات في أعالي الجبال, هو يشرب عصير "بناشي" في مقهى "سيتي بالاص" أمام الجامعة مع ثلة من أصدقائكما القدامى و آخرين جدد .. قريبا, سيحصل على الشهادة بعد أن يستوفي مادة في الفصل الأول و أخرى من الفصل الخامس .. سيصير أستاذا في الثانوية التي درستما فيها بجانب أستاذك المفضل "الهواري مول لفرونسي " و قد ....
- اصمت أيها البائس, أنا معلم و أفتخر بذلك, و يكفيني شرفا أن المعلم كاد أن يكون رسولا , فأنا من ينير عقولا مظلمة..
- تنير عقولا و لا تجد ما تنير به عتمة ليلك... هل تذكر أيها المسكين صديقك عبد الصمد و محمد وووو .. كلهم أفضل حالا منك, سيتابعون تعليمهم و يحصدون الشهادات و أنت قابع في زنزانتك التاسعة التعيسة ..
- توقف أيها الثرثار, و الا أحضرت صخرة و هويت بها عليك , توقف .. أريد أن أرتااااااااح ..
- هل أخبرك عن أصدقائك في مركز التكوين ؟؟ حصل عبد الحق على مدرسة تمر بجانبها طريق معبدة, له سكن بمرحاض حقيقي, و يشاركه "العشرة" معلمون اخرون .. انه محظوظ بحق !
- معك حق, لعلي حصلت على أسوأ تعيين بين زملائي .. فأنا وحيد على كاهل جبال صاغرو, تحضنني من جميع الجهات,تكتم أنفاسي و تعصر جسمي النحيل كما يعصر طفل صغير قطعة نقدية مخافة فقدها حتى تتعرق يده و تتعرق قطعة النقود فتظهر عليها تقاسيم تسطرها أوساخ يده..
أين الكهرباء ؟ بما سأشحن هاتفي الخلوي الذي لن يصلح لشيء سوى لإضاءة طريقي نحو مرحاضي الكبير حتى لا أتعثر في صخرة غاضبة تحرق أصبع رجلي الأكبر بنار صلابتها, ألن أستقدم تلفازا صغيرا و صحنا هوائيا أزين بها سطح مسكن الطاولات خاصتي ؟ و أخيط به ثقوبا في وقتي ؟ هل يكفيني ضوء شموعي لأكتب المذكرة اليومية المزركشة بألوان تساعدني على تصنيف مستويات قمسي ؟ مذكرتي التي تشبه زربية أمي, ألوانها مستويات و خيوطها الكثيفة مواد و أهداف و كفايات و أنشطة و وسائل .. هل تكفي شموعي لأخط عشرات الجذاذات ؟ و هي أشبه بمناديل تستعمل مرة واحدة في يوم واحد و تدخل في سبات عميق على أمل الاستيقاظ في العام المقبل .. كفاك حديثا عن الإضاءة يا أنا, نم باكرا و استيقظ باكرا " فالفياق بكري بالذهب مشري " كما قال الأولون..
و الماء ؟ الماء في السفح بجانب الوادي, هناك بئر قريبة, اسحب الحبل و املأ بالدلو قنينتي الزيت الصفراوتين, و إن احتجت لماء أكثر عد مرة أخرى فالبئر كريمة مع المعلمين و غير المعلمين, لكن لا أعتقد أن التفكير في الاستحمام فكرة جيدة, سترهقك الجيئة و الذهاب للبئر كما أن البرد سيهاجمك في مسكن الطاولات القارس كما قد تهاجمك نظرة أو نظرات خاطفة لأحد القرويين المارين بالقرب من قسمك, صحيح ناذرا ما يمر كائن هنا, لكن من يدري ؟ !!
ماذا إن اشتهيت قطعة شوكلاطة تحلي مرارة عيشي ؟ أو حفنة عدس تخرس بطني ؟ ألا يوجد بقال بين ثناياك يا صاغرو ؟ لا عليك يا أنا, خذ كل ما تحتاجه يوم السوق الأسبوعي " فالطرنزيت " تزورك في محبسك صباح كل جمعة, و إياك أن تتوه عن الزمان أو المكان في أعلى قمة الجبل هنالك حيث رأس الطريق الأفعوانية و إلا سيفوتك القطار و تدفع قدماك الثمن غاليا ..
- أرى أنك تماهيت في التفكير و غصت في بحور عميقة جدا, لكن أخبرني عن الصخرة الغاضبة, أ هي ضربتك أم أنت ضاربها ؟ فعلى حد علمي, هي جاثمة جامدة حركاتها ؟؟ !!!!!
- كفى هراء أيها البائس جررتني جرا إلى غياهب التفكير .. ااااااااه يا رأسي أحسك طاحونة هواء لا تتوقف عن الدوران, أفكار تتزاحم و أخرى تتناطح وأحيانا تتمازج مثل زوبعات ريح لا تذبل أبدا .. سأجن من كثرة التفكير !!!!
هل سأجن حقا ؟
يا الهي, كيف يحلو لكم أن تفتحوا مدرسة بمعلم واحد ؟
- اصمت أيها البائس, أنا معلم و أفتخر بذلك, و يكفيني شرفا أن المعلم كاد أن يكون رسولا , فأنا من ينير عقولا مظلمة..
- تنير عقولا و لا تجد ما تنير به عتمة ليلك... هل تذكر أيها المسكين صديقك عبد الصمد و محمد وووو .. كلهم أفضل حالا منك, سيتابعون تعليمهم و يحصدون الشهادات و أنت قابع في زنزانتك التاسعة التعيسة ..
- توقف أيها الثرثار, و الا أحضرت صخرة و هويت بها عليك , توقف .. أريد أن أرتااااااااح ..
- هل أخبرك عن أصدقائك في مركز التكوين ؟؟ حصل عبد الحق على مدرسة تمر بجانبها طريق معبدة, له سكن بمرحاض حقيقي, و يشاركه "العشرة" معلمون اخرون .. انه محظوظ بحق !
- معك حق, لعلي حصلت على أسوأ تعيين بين زملائي .. فأنا وحيد على كاهل جبال صاغرو, تحضنني من جميع الجهات,تكتم أنفاسي و تعصر جسمي النحيل كما يعصر طفل صغير قطعة نقدية مخافة فقدها حتى تتعرق يده و تتعرق قطعة النقود فتظهر عليها تقاسيم تسطرها أوساخ يده..
أين الكهرباء ؟ بما سأشحن هاتفي الخلوي الذي لن يصلح لشيء سوى لإضاءة طريقي نحو مرحاضي الكبير حتى لا أتعثر في صخرة غاضبة تحرق أصبع رجلي الأكبر بنار صلابتها, ألن أستقدم تلفازا صغيرا و صحنا هوائيا أزين بها سطح مسكن الطاولات خاصتي ؟ و أخيط به ثقوبا في وقتي ؟ هل يكفيني ضوء شموعي لأكتب المذكرة اليومية المزركشة بألوان تساعدني على تصنيف مستويات قمسي ؟ مذكرتي التي تشبه زربية أمي, ألوانها مستويات و خيوطها الكثيفة مواد و أهداف و كفايات و أنشطة و وسائل .. هل تكفي شموعي لأخط عشرات الجذاذات ؟ و هي أشبه بمناديل تستعمل مرة واحدة في يوم واحد و تدخل في سبات عميق على أمل الاستيقاظ في العام المقبل .. كفاك حديثا عن الإضاءة يا أنا, نم باكرا و استيقظ باكرا " فالفياق بكري بالذهب مشري " كما قال الأولون..
و الماء ؟ الماء في السفح بجانب الوادي, هناك بئر قريبة, اسحب الحبل و املأ بالدلو قنينتي الزيت الصفراوتين, و إن احتجت لماء أكثر عد مرة أخرى فالبئر كريمة مع المعلمين و غير المعلمين, لكن لا أعتقد أن التفكير في الاستحمام فكرة جيدة, سترهقك الجيئة و الذهاب للبئر كما أن البرد سيهاجمك في مسكن الطاولات القارس كما قد تهاجمك نظرة أو نظرات خاطفة لأحد القرويين المارين بالقرب من قسمك, صحيح ناذرا ما يمر كائن هنا, لكن من يدري ؟ !!
ماذا إن اشتهيت قطعة شوكلاطة تحلي مرارة عيشي ؟ أو حفنة عدس تخرس بطني ؟ ألا يوجد بقال بين ثناياك يا صاغرو ؟ لا عليك يا أنا, خذ كل ما تحتاجه يوم السوق الأسبوعي " فالطرنزيت " تزورك في محبسك صباح كل جمعة, و إياك أن تتوه عن الزمان أو المكان في أعلى قمة الجبل هنالك حيث رأس الطريق الأفعوانية و إلا سيفوتك القطار و تدفع قدماك الثمن غاليا ..
- أرى أنك تماهيت في التفكير و غصت في بحور عميقة جدا, لكن أخبرني عن الصخرة الغاضبة, أ هي ضربتك أم أنت ضاربها ؟ فعلى حد علمي, هي جاثمة جامدة حركاتها ؟؟ !!!!!
- كفى هراء أيها البائس جررتني جرا إلى غياهب التفكير .. ااااااااه يا رأسي أحسك طاحونة هواء لا تتوقف عن الدوران, أفكار تتزاحم و أخرى تتناطح وأحيانا تتمازج مثل زوبعات ريح لا تذبل أبدا .. سأجن من كثرة التفكير !!!!
هل سأجن حقا ؟
يا الهي, كيف يحلو لكم أن تفتحوا مدرسة بمعلم واحد ؟
يتبع
لقراءة الجزء الخامس اضغط على الرابط : ذكريات معلم - الجزء الخامس -